728x90 AdSpace

­
الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

الامام ابو الحسن عليّ بن الحسين زين العابدين



الامام ابو الحسن عليّ بن الحسين زين العابدين

سيّد الساجدين ومصباح المتهجّدين وقدوة المتقين عليه السلام ولد (عليه السلام) بالمدينة المعظمة، يوم النصف من جمادى الاولى سنة 36 هجري ست وثلاثين يوم فتح البصرة ونزول النصر على امير المؤمنين (عليه السلام) وغلبته على اصحاب الجمل وقيل في الخامس من شعبان سنة 38 ثمان وثلاثين وامه ذات العلى والمجد، شاه زنان بنت يزد جرد:

وهو ابن شهريار بن كسرى*** ذو سؤددٍ ليس يخاف كسرى

وقيل كان اسمها شهر بانويه وفيه يقول ابو الاسود:

وان غلاماً بين كسرى وهاشمٍ*** لأكرمُ من نيطتْ عليه التمائمُ

كان يقال له ذو الثفنات (جمع ثفنة بكسر الفاء) وهي من الانسان الركبة ومجتمع الساق والفخذ لان طول السجود اثر في ثفناته.

قال الزهري: ما رأيت هاشمياً افضل من عليّ بن الحسين (عليه السلام).


وعن ابي جعفر (عليه السلام) قال: كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) يصلّي في اليوم والليلة الف ركعة، ورُويَ انه كان (عليه السلام) له خمسمئة نخلة وكان يصلّي عند كل نخلة ركعتين وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة، وكان اذا توضأ للصلاة يصفرّ لونه فيقول له اهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء، فيقول: تدرون بين يدي من أريد أن اقوم.

وعن ابن عائشة قال: سمعت اهل المدينة يقولون فقدنا صدقة السرّ حين مات علي بن الحسين (عليه السلام).

ولما مات وجردوه للغسل، جعلوا ينظرون الى آثار في ظهره، فقالوا ما هذا، قيل: كان يحمل جربان الدقيق على ظهره ليلاً ويوصلها الى فقراء المدينة سراً وكان يقول ان صدقة السرّ تطفئ غضب الرب.

وعن علي بن ابراهيم عن ابيه قال: حج عليُّ بن الحسين (عليه السلام) ماشياً فسار من المدينة الى مكة عشرين يوماً وليلة.

وعن زرارة بن اعين قال: سمع سائل في جوف الليل وهو يقول: اين الزاهدون في الدنيا، والراغبون في الآخرة، فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه، ذاك عليّ بن الحسين (عليه السلام).

وفي تذكرة السبط حكى الزهري عن عائشة قالت: رأيت عليّ بن الحسين (عليه السلام) ساجداً في الحجرّ وهو يقول: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فما دعوت بها في كرب الا وفرّج عني.

وعن طاوس اني لفي الحِجز ليلة، اذ دخل علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت: رجل صالح من اهل بيت النبوة لاسمعن دعاءه، فسمعته يقول: عبدك بفنائك، فقيرك بفنائك، قال: فما دعوت بهن في كرب الا فرّج عني.

وعن ربيع الابرار للزمخشري، انه قال: لما وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لاستباحة اهل المدينة ضم عليّ بن الحسين (عليه السلام) الى نفسه اربعمأة منانية (كذا) بحشمهن يعولهن الى أن تقوض جيش مسلم فقالت امرأة منهن: ما عشت واللّه بين ابويّ بمثل ذلك الشريف.

وكان يقال له آدم بني حسين لانه الذي تشعبت منه افنانهم وتفرعت عنه اغصانهم.

وكان (عليه السلام) اذا حضرت الصلاة اقشعر جلده واصفر لونه وارتعد كالسعفة، وكان اذا قام في صلاته غشيَ لونه لون آخر وكان في قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل كانت اعضاؤه ترتعد من خشية اللّه.

وكان يصلي صلاة مودّع.

وكان في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء الا ما حركت الريح منه، واذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفضّ عَرَقاً، واذا كان شهر رمضان لم يتكلم الا بالدعاء والتسبيح والاستغفار والتكبير، وكان له خريطة فيها تربة الحسين (عليه السلام)، وكان لا يسجد الا على التراب.

وكان (عليه السلام) يقول: لو مات من بين المشرق والمغرب لَمَا استوحشت بعد ان يكون القرآن معي.

وكان اذا قرأ (مالك يوم الدين) يكررها حتى كاد أن يموت.

وكان اذا صلى يبرز الى موضع خشن فيصلّي فيه ويسجد على الارض فاتى الجبان يوماً، ثم قام على حجارة خشنة محرقة، فأقبل يصلي وكان كثير البكاء، فرفع رأسه من السجود وكأنما غمس في الماء من كثرة دموعه.

وكانت شدة اجتهاده (عليه السلام) في العبادة، بحيث اتت فاطمة بنت عليّ (عليه السلام) الى جابر الانصاري وقالت له: ان لنا عليكم حقوقاً من حقنا عليكم اذا رأيتم احدنا يهلك نفسه اجتهاداً، ان تذكروه وتدعوه الى البقيا على نفسه، وهذا عليّ بن الحسين بقية ابيه قد انحزم انفه وثفنت جبهته وركبتاه وراحتاه أدأب نفسه في العبادة، فاتى جابر الى بابه واستأْذن، فلما دخل عليه وجده في محرابه قد انضته العبادة، فدعاه الى البقيا على نفسه فقال: يا جابر لا ازال على منهاج ابويّ متأسياً بهما حتى ألقاهما.

ورُويَ انه (عليه السلام) كان اذا وقف في الصلاة لم يسمع شيئاً لشغله بالصلاة، فسقط بعض ولده في بعض الليالي فانكسرت يده فصاح اهل الدار، واتاهم الجيران وجيء بالمجبر فجبر الصبي وهو يصيح من الالم وكل ذلك لا يسمعه فلما اصبح راى الصبي يده مربوطة الى عنقه فقال: ما هذا فاخبروه.

ووقع حريق في بيت هو فيه ساجد، فجعلوا يقولون يا ابن رسول اللّه النار النار، فما رفع رأسه حتى اطفئت، فقيل له بعد قعوده ما الذي ألهاك عنها، قال ألهتني عنها النار الكبرى.

ورُوي انه (عليه السلام) كان في الصلاة فسقط محمد ابنه (عليه السلام) في البئر فلم يثن عن صلاته، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر، فلما فرغ من صلاته مدَّ يده الى قعر البئر، فأخرج ابنه وقال : كنت بين يدي جبار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني، وكان حضور قلبه في العبادة بحيث تمثل ابليس بصورة افعى ليشغله فما شغله.

ورُوي عن حماد بن حبيب العطار الكوفي قال : خرجنا حجاجاً فرحلنا من زبالة ليلاً فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة، فتقطعت القافلة فتهت في تلك الصحارى والبراري، فانتهيت الى واد قفر فلما ان جن الليل أويت الى شجرة عادية، فلما ان اختلط الظلام، اذا أنا بشاب قد اقبل عليه اطمار بيض، تفوح منه رائحة المسك، فقلت في نفسي هذا وليّ من اولياء اللّه، متى ما احسن بحركتي خشيت نفاره، وأن امنعه عن كثير مما يريد فعاله فاخفيت نفسي ما استطعت فدنا الى الموضع فتهيأ للصلاة ثم وثب قائماً وهو يقول، يا من حاز كل شيء ملكوتاً وقهر كل شيء جبروتاً أولج قلبي فرح الاقبال عليك، والحقني بميدان المطيعين لك، قال ثم دخل في الصلاة فلما ان رأيته قد هدأت أعضاؤه وسكنت حركاته قمت الى الموضع الذي تهيأ للصلاة فاذا بعين تفيض بماء ابيض فتهيأْ للصلاة ثم قمت خلفه، فاذا انا بمحراب كأَنه مثل في ذلك الوقت، فرأيته كلما مر بآية فيها ذكر الوعد والوعيد يرددها باشجان الحنين، فلما أن تقشع الظلام وثب قائماً وهو يقول :

يامن قصده الطالبون فاصابوه مرشداً، وأَمَّه الخائفون فوجدوه متفضلاً، ولجأ اليه العابدون فوجدوه موئلاً، متى راحة من نصب لغيرك بدنه، ومتى فرج من قصد سواك بنيته، إلهي قد تقشع الظلام ولم اقض من خدمتك وَطَرا، ولا من حياض مناجاتك صدرا، صلّ على محمد وآله وافعل بي اولى الامرين بك، يا ارحم الراحمين، فخفت ان يفوتني شخصه، وان يخفى عليَّ اثره، فتعلقت به فقلت له : بالذي اسقط عنك ملال التعب ومنحك شدة شوق لذيذ الرغب الا لحقتني منك جناح رحمة، وكنف رقة، فإني ضال وبغيتي كلما صنعت، ومناي كلما نطقت، فقال لو صدق توكلك ما كنت ضالاً، ولكن اتبعني واقفُ اثري فلما ان صار بجنب الشجرة اخذ بيدي فخيل الى ان الارض تمد من تحت قدمي، فلما انفجر عمود الصبح، قال لي: ابشر فهذه مكة، قال فسمعت الضجة، ورأيت المحجة، فقلت بالذي ترجوه يوم الآزفة ويوم الفاقة، من انت فقال : اما اذا قسمت، فأنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن ابي طالب (عليه السلام).

وفي اثبات الوصية رُويَ عن سعيد بن المسيب قال : قحط الناس يميناً وشمالاً، فمددت عيني فرأيت شخصاً اسود على تل قد انفرد، فقصدت نحوه فرأيته يحرك شفتيه، فلم يتم دعاءه حتى اقبلت غمامة، فلما نظر اليها حمد اللّه وانصرف وادركنا المطر حتى ظنناه الغرق، فاتبعته حتى دخل دار عليّ بن الحسين (عليه السلام) فدخلت اليه (عليه السلام) فقلت له (عليه السلام) يا سيدي في دارك غلام اسود تفضل عليَّ ببيعه، فقال : يا سعيد ولم لا يوهب لك، ثم أمر القيم على غلمانه يعرض كل من في الدار عليه فجمعوا فلم ارَ صاحب بينهم، فقلت : فلم أَره، فقال: انه لم يبق الا فلان السائس فأمر به، فاحضر فاذا هو صاحبي، فقلت له (عليه السلام) هذا هو فقال له : يا غلام ان سعيداً قد ملكك فامض معه، فقال لي الاسود ما حملك عليَّ ان فرقت بيني وبين مولايَ، فقلت له انّي رأيت ما كان منك على التل، فرفع يده الى السماء مبتهلاً، ثم قال : ان كانت سريرة بينك وبيني فاذن قد اذعتها عليّ فاقبضني اليك، فبكى عليّ بن الحسين (عليه السلام) وبكى من حضره، وخرجت باكياً فلما صرت الى منزلي وافاني رسوله فقال لي : ان اردت ان تحضر جنازة صاحبك فافعل فرجعت معه ووجدت العبد قد مات بحضرته.

فصل في مكارم اخلاق الامام زين العابدين عليه السلام

كان علي بن الحسين (عليه السلام)، ليخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم، وربما حمل على ظهره الطعام او الحطب، حتى يأتي باباً باباً، فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه، وكان يغطي وجهه لئلا يعرفه الفقير، ولما وضع على المغتسل نظروا الى ظهره، وعليه مثل ركب الابل، وكان يعول مئة اهل بيت من فقراء المدينة، وكان يعجبه ان يحضر طعامه اليتامى والزمنى والمساكين، وكان يناولهم بيده ويحمل الطعام لمن كان له عيال الى عياله، وكان اذا جنَّه الليل وهدأَت العيون، قام الى منزله، فجمع ما يبقى فيه عن قوت اهله، وجعله في جراب ورمى به على عاتقه، وخرج الى دور الفقراء وهو متلثم، ويفرق عليهم.

وروي عن علي بن يزيد قال : كنت مع عليّ بن الحسين (عليه السلام) عندما انصرف من الشام الى المدينة، فكنت احسن الى نسائه واقضي حوائجه فلما نزلوا المدينة، بعثن الي بشيء من حليهن فلم آخذه فقلت : فعلت هذا للّه تعالى، فأخذ علي بن الحسين (عليه السلام) حجراً اسود صماً فطبعه بخاتمه ثم قال لي خذه وسل كل حاجة لك منه فوالذي بعث محمداً (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بالحق لقد كنت اسأَله الضوء في البيت فيسرج في الظلماء وأضعه على الاقفال فتنفتح وآخذه بيدي وأقف بين يدي السلاطين فلا أرى منهم شراً.

قال شيخنا الحر العاملي مشيراً الى هذه المعجزة :

والحجرُ الاسودُ لما طَبَعه*** أرى عجيباً الذي كان مَعَه

وكم له من معجزٍ وفضلٍ*** وشرفٍ بادٍ وقولٍ فصل
ِ

وروى معتب عن الصادق (عليه السلام) قال كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) شديد الاجتهاد في العبادة، نهاره صائم وليله قائم، فأضر بجسمه فقلت له: يا ابه كم هذا الدؤب فقال له : أتحبب الى ربي لعله يزلفني.

وعن دعوات الراوندي عن الباقر (عليه السلام) قال : قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام) مرضت مرضاً شديداً، فقال لي ابي (عليه السلام) : ما تشتهي، فقلت : اشتهي ان اكون ممن لا اقترح على اللّه ربي ما يدبره لي، فقال لي احسنت، ضاهيت ابراهيم الخليل (عليه السلام) حيث قال جبرائيل : هل من حاجة، فقال : لا اقترح على ربّي بل حسبي اللّه ونعم الوكيل، (اقول الاقتراح الاجتباء والاختيار والتحكم وارتجال الكلام).

ورُويَ انه ضرب غلاماً له، قرعه بسوط، ثم بكى وقال لابي جعفر (عليه السلام) : اذهب الى قبر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فصلّ ركعتين ثم قل : اللهم اغفر لعليّ بن الحسين خطيئته يوم الدين، ثم قال للغلام اذهب فانت حر لوجه اللّه.

ورُويَ انه قيل له (عليه السلام) انك أبرّ الناس ولا تأكل مع امك في قصعة، وهي تريد ذلك، قال اكره ان تسبق يدي الى ما سبقت اليه عينها فاكون عاقّاً لها.

اقول الظاهر ان المراد من امه هي هنا ام ولد كانت تحضنه فكان يسميها اماً، واما امه شاه زنان فقد توفيت في نفاسها.

وعنه (عليه السلام) كان يدعو خدمه كل شهر ويقول اني قد كبرت ولا اقدر على النساء فمن اراد منكن التزويج زوجتها، او البيع بعتها، او العتق اعتقتها، فاذا قالت احداهن: لا قال: اللهم اشهد حتى يقول ثلاثاً وان سكتت واحدة منهن قال لنسائه سلوها ما تريد، وعمل على مرادها، وكان اذا اتاه السائل قال : مرحباً بمن يحمل زادي الى الآخرة.

قال ابن الاثير في الكامل، لما سير يزيد مسلم بن عقبة الى المدينة قال : فاذا ظهرت عليهم فابحها ثلاثاً، فكل ما فيها من مال او دابة او سلاح او طعام فهو للجند، فاذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس وانظر عليّ بن الحسين فاكفف عنه، واستوص به خيراً فانه لم يدخل مع الناس وانه قد اتاني كتابه.

وقد كان مروان بن الحكم، كلَّم ابن عمر لما اخرج اهل المدينة عامل يزيد وبني امية في ان يغيب اهله عنده فلم يفعل، فكلم علي بن الحسين (عليه السلام) فقال ان لي حرماً وحرمي يكون مع حرمك، فقال : افعل، فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان، وحرمه الى علي بن الحسين (عليه السلام)، فخرج علي (عليه السلام) بحرمه وحرم مروان الى ينبع، وقيل بل ارسل حرم مروان وارسل معهم ابنه عبد اللّه بن علي الى الطائف.

وروي عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال : كان بالمدينة رجل بطّال يضحك اهل المدينة من كلامه، فقال: يوماً لهم: قد اعياني هذا الرجل يعني عليّ بن الحسين (عليه السلام)، فما يضحكه مني شيء ولا بد من ان احتال في ان اضحكه، قال فمر علي بن الحسين (عليه السلام) ذات يوم ومعه موليان له فجاء ذلك البطَّال حتى انتزع رداءه من ظهره واتبعه الموليان فاسترجعا الرداء منه والقياه عليه وهو مخبت لا يرفع طرفه من الارض ثم قال لمولييه ما هذا فقالا له رجل بطّال يضحك اهل المدينة ويستطعم منهم بذلك، قال فقولا له يا ويحك ان للّه يوماً يخسر فيه البطّالون.

فصل في ذكر نبذ من كلامه عليه السلام

رُويَ عنه (عليه السلام) انه كان يقول : ان بين الليل والنهار روضة يرتعي في رياضها الابرار، ويتنعم في حدائقها المتّقون فادأبوا رحمكم اللّه في سهر هذا الليل، بتلاوة القرآن في صدره، وبالتضرع والاستغفار في آخره، واذا ورد النهار فاحسنوا قراه بترك التعرض لما يرديكم من محقّرات الذنوب، فانها مشرفة بكم على قباح العيوب، وكأن الرحلة قد أظلتكم وكأَن الحادي قد حدا بكم جعلنا اللّه واياكم ممن اغبطه فهمه ونفعه علمه.

وقال (عليه السلام) في جملة كلامه، واياك والابتهاج بالذنب، فان الابتهاج بالذنب اعظم من ركوبه.

وعن الباقر (عليه السلام) قال : كان أبي زين العابدين (عليه السلام) اذا نظر الى الشباب الذين يطلبون العلم، ادناهم اليه وقال مرحباً بكم انتم ودائع العلم ويوشك اذا انتم صغار قوم، ان تكونوا كبار آخرين.

ورُويَ انه جاء رجل الى علي بن الحسين يشكو اليه حاله فقال : مسكين ابن آدم له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن ولو اعتبر هانت عليه المصائب وأمر الدنيا، فاما المصيبة الاولى فاليوم الذي ينقص من عمره، قال وان ناله نقصان في ماله اغتم به والدرهم يخلف عنه والعمر لا يرده شيء، والثانية انه يستوفي رزقه فان كان حلالاً حوسب عليه وان كان حراماً عوقب، قال : والثالثة اعظم من ذلك، قيل وما هي، قال ما من يوم يمسي الا وقد دنا من الآخرة مرحلة لا يدري على الجنة ام على النار، وقال : اكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يلد من امّه، قالت الحكماء : ما سبقه الى هذا احد.

وقال الكفعمي في البلد الامين ندبة مولانا زين العابدين (عليه السلام) رواية الزهري، يا نفس حتام الى الحياة سكونك، والى الدنيا وعمارتها ركونك، اما اعتبرت بمن مضى من اسلافك ومن وارته الارض من أُلاَّفك، ومن فجعت به من اخوانك، ونقلت الى دار البلى من اقرانك،

فهمْ في بطون الارضِ بعد ظهورِها*** محاسنهُم فيها بوالٍ دواثرُ

خلت دورُهُم منهم واقوتْ عراصهمْ*** وساقهم نحو المنايا المقادرُ

وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها*** وضمتهم تحت التراب الحفائر

كم اخترمت ايدي المنون من قرون بعد قرون، وكم غيرت الارض ببلاها وغيّبت في ثراها، ممن عاشرت من صنوف الناس وشيعتهم الى الأرماس.

وانت على الدنيا مكبّ منافس*** لخطابها فيها حريص مكاثِرُ

على خطر تمسي وتصبحُ لاهياً*** اتدري بماذا لو عقلتَ تخاطرُ

وإن امرءأً يسعى لدنياهُ جاهداً*** ويذهل عن اخراه لا شك خاسرُ

فحتَّام على الدنيا اقبالك، وبشهوتها اشتغالك وقد وحظك لقتير ووفاك النذير وانت عما يراد بك ساه، وبلذة يومك لاه.

وفي ذكر هولِ الموتِ والقبرِ والبِلى*** عن اللهو واللّذاتِ للمرءِ زاجرُ

أبعد اقترابِ الاربعين تربص*** وشيب القذال منذ ذلك ذاعر

كأنك معني بما هو ضائر*** لنفسِكَ عمداً او عن الرشدِ جائر
ُ

انظر الى الامم الماضية، والقرون الفانية، والملوك العاتية كيف انتسفتهم الايام فافناهم الحمام فامتحت من الدنيا آثارهم، وبقيت فيها اخبارهم.

واضحوا رميماً في الترابِ واقفرَتْ*** مجالسُ منهمُ عُطّلتْ ومقاصرُ

وحلّوا بدارٍ لا تزاوُرَ بينهمْ*** وأنّى لسكانِ القبورِ التزاوُرُ

فما إن ترى الاجثىً قد ثروا بها*** مسنمةً تسفى عليها الأَعاصرُ

كم عاينت من ذي عز وسلطان، وجنود واعوان، تمكن من دنياه، ونال منها مناه، فبنى الحصون والدساكر وجمع الاعلاق والذخائر.

فما صرَفتْ كفُّ المنيةِ إذ أتت*** مبادرةً تهوى اليهِ الذخائرُ

ولا دفعتْ عنهُ الحصونُ التي بَنَى*** وحفّ بها انهارها والدساكِرُ

ولا قارَعت عنهُ المنيةَ خيلُهُ*** ولا طمِعَتْ في الذبّ عنه العساكِرُ

اتاه من امر اللّه ما لا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، فتعالى الملك الجبار المتكبر القهار، قاصم الجبارين ومبير المتكبرين.

مليك عزيز ما يردُّ قضاؤهُ*** عليم حكيم نافذُ الامرِ قاهرُ

عنا كل ذي عزٍّ لعزّةِ وجههِ*** فكلُّ عزيزِ للمهيمنِ صاغرُ

لقد خَشَعَتْ واسْتَسْلَمَتْ وتضاءَلَتْ*** لعزةِ ذي العرشِ الملوكُ الجبابرُ

فالبدار البدار، والحذار الحذار من الدنيا ومكائدها، وما نصبت لك من مصائدها، وتجلى لك من زينتها، واستشرف لك من فتنتها :

وفي دونِ ما عاينتَ من فَجَعاتِها*** الى رفضِها داع وبالزهد آمرُ

فجدَّ ولا تغفل فَعَيْشُكَ زائِل*** وانتَ الى دارِ المنيةِ صائرُ

ولا تطلبِ الدنيا فإنّ طِلابَهَا*** وان نلت منها غِبُّهُ لكَ ضائرُ

فهل يحرص عليها لبيب، او يسر بلذتها اريب، وهو على ثقة من فنائها، وغير طامع في بقائها، ام كيف تنام عين من يخشى البيات او تسكن نفس من يتوقع الممات.

ألا لا ولكنّا تَغُر نفوسَنا*** وتشغلُنا اللذّاتُ عما نحاذِرُ

وكيف يلذُ العيشُ من هو موقن*** بموقف عدلٍ حين تُبلى السرائرُ

كأنَّا نرى ألا نشورَ وانَّنا*** سدى ما لنا بعد الفناء مصائر


وما عسى ان ينال طالب الدنيا من لذتها، ويتمتع به من بهجتها مع فنون مصائبها، واصناف عجائبها، وكثرة تعبه في طلابها، وفي اكتسابها وما يكابد من اسقامها واوصابها

وما ان بنى في كل يوم وليلة*** يروح عليها صرفها ويباكر

تعاوره آفاتها وهمومها*** وكم ما عسى يبقى لها المتعاور

فلا هو مغبوط بدنياه آمن*** ولا هو عن تطلابها النفس غادر

كم غرّت من مخلد اليها، وصرعت من مكب عليها، فلم تنعشه من صرعته، ولم تقله من عثرته، ولم تداوه من سقمه ولم تشفه من المه.

بلى اوردته بعد عز ومنعة*** موارد سوء ما لهنَّ مصادر

فلما رأى الا نجاة وأنه*** هو الموت لا ينجيه منه المؤازر

تندم لو يغنيه طول ندامة*** عليه وابكته الذنوب البكائر

بكى على ما اسلف من خطاياه، وتحسر على ما خلف من دنياه حيث لا ينفعه الاستعبار ولا ينجيه الاعتذار من هول المنية، ونزول البلية.

احاطت به آفاته وهمومه*** واُبْلسَ لما اعجزته المعاذر

فليس له من كربة الموت فارج*** وليس له مما يحاذر ناصر

وقد جشأت خوف المنية نفسه*** ترددها دون اللهاة الحناجر

هنالك خف عنه عوّاده، واسلمه اهله واولاده، وارتفعت الرنة والعويل، ويئسوا من برء العليل، غمَّضوا بأيديهم عينيه، ومدوا عند خروج نفسه رجليه.

فكم موجع يبكى عليه تفجعاً*** ومستنجد صبراً وما هو صابر

ومسترجع داع له اللّه مخلص*** يعدد منه خير ما هو ذاكر

وكم شامت مستبشر بوفاته*** وعما قليل كالذي صار صائر

شق جيوبها نساؤه، ولطم خدودها اماؤه، واعول لفقده جيرانه، وتوجع لرزئه اخوانه ثم اقبلوا على اجهازه وتشمروا لابرازه :

فظل احب القوم كان لقربه*** يحث على تجهيزه ويبادر

وشمر من قد احضروه لغسله*** ووجه لما فاض للقبر حافر

وكفّن في ثوبين فاجتمعت له*** مشيعة اخوانه والعشائر

فلو رأيت الاصغر من اولاده، وقد غلب الحزن على فؤاده، فغشي من الجزع عليه، وقد خضبت الدموع خديه، ثم افاق وهو يندب اباه، ويقول بشجو واويلاه :

لأبصرت من قُبحِ المنية منظراً*** يهال لمرآه ويرتاع ناظر

اكابر اولاد يهيج اكتئابهم*** اذا ما تناساه البنون الاصاغر

ورنة نسوان عليه جوازع*** مدامعها فوق الخدود غزائر

ثم اخرج من سعة قصره، الى ضيق قبره، فحثوا بايديهم التراب واكثروا التلدد والانتحاب وقفوا ساعة عليه، وقد يئسوا من النظر اليه.

فولوا عليه معولين وكلهم*** لمثل الذي لاقى اخوه محاذر

كشاء رتاع آمنات بدا لها*** بمدية باد الذراعين حاسر

فراعت ولم ترتع قليلاً وأجفلت*** فلما انتحى منها الذي هو حاذر

عادت الى مرعاها، ونسيت ما في اختها دهاها، افبافعال البهائم اقتدينا، وعلى عادتها جرينا، عد الى ذكر المنقول الى الثرى، والمدفوع الى هول ما ترى.

هوى مصرعاً في لحده وتوزّعت*** مواريثه ارحامه والاواصر

وانخوا على امواله يخضمونها*** فما حامد منهم عليها وشاكر

فيا عامر الدنيا ويا ساعياً لها*** ويا آمناً من أن تدور الدوائر

كيف امنت هذه الحالة، وانت صائر اليها لا محالة، ام كيف تتهنأ بحياتك وهي مطيتك الى مماتك، ام كيف تسيغ طعامك وانت تنتظر حمامك.

ولم تتزود للرحيل وقد دنا*** وانت على حال وشيكاً مسافر

فيا ويح نفسي كم اسوف توبتي*** وعمريَ فانٍ والرّدى لي ناظر

وكل الذي اسلفت في الصحف مثبت*** يجازي عليه عادل الحكم قاهر

فكم ترقع بدينك دنياك، وتركب في ذلك هواك، إني لأراك ضعيف اليقين يا راقع الدنيا بالدين، ابهذا امرك الرحمن، ام على هذا دلك القرآن.

تُخرِّبُ ما يبقى وتَعْمر فانياً*** فلا ذاك موفور ولا ذاك عامرُ

وهل لك ان وافاك حتفك بغتة*** ولم تكتسب خيراً لدى اللّه عاذر

اترضى بأن تفنى الحياة وتنقضي*** ودينك منقوص ومالك وافر

فبك إلهنا نستجير يا عليم يا خبير، من نؤمل لفكاك رقابنا غيرك ومن نرجو لغفران ذنوبنا سواك، وانت المتفضل المنَّان، القائم الدّيان العائد علينا بالإحسان، بعد الاساءة منا والعصيان. يا ذا العزة والسلطان والقوة والبرهان، اجرنا من عذابك الاليم، واجعلنا من سكان دار النعيم، يا ارحم الراحمين.

فصل في مدحه واستلامه الحجر الأسود عليه السلام

روى الشيخ الكشي وغيره عن ابن عائشة ان هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك، وطاف بالبيت فأراد ان يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام فنصب له منبر فجلس، واطاف به اهل الشام، فبينا هو كذلك اذ أقبل عليّ بن الحسين (عليه السلام) وعليه ازار ورداء من احسن الناس وجهاً واطيبهم رائحة، و بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز فجعل يطوف بالبيت فاذا بلغ الحجر تنحى الناس عنه حتى يستلمه هيبة له واجلالاً، فغاظ ذلك هشاماً، فقال رجل من اهل الشام لهشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فافرجوا له عن الحجر، فقال هشام: لا اعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكني أعرفه، وقال الشامي: ومن هذا يا ابا فراس فقال:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته*** والبيت يعرفه والحلُّ والحرمّ

هذا ابن خير عباد اللّه كلهمُ*** هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلمُ

هذا عليّ رسولُ اللّه والدُهُ*** امست بنورِ هداهُ تهتدي الاممُ

اذا رأته قريش قال قائلُها*** الى مكارمِ هذا ينتهي الكرَمُ

ينمى الى ذروة العز التي قَصرتْ*** عن نيلها عربُ الإِسلامِ والعجم
يكاد يمسكهُ عرفانُ راحتِهِ*** ركنَ الحطيمِ اذا ما جاء يستلِمُ

ينشقُّ نورُ الهدى عن نورِ غرّتِهِ*** كالشمس تنجابُ في اشراقها الظلمُ

بكفهِ خيزران ريحها عَبِق*** من كف اروَع من عرنينه شمَمُ

مشتقة من رسول اللّه نبعته*** طابت عناصره والخيم والشيمُ

هذا ابنُ فاطمة قدْماً وشرّفَهُ*** جرى بذاكَ له في لوحهِ القلَمُ

وليسَ قولُك من هذا بضائِرِهِ*** العربُ تعرفُ من انكرت والعَجَمُ

لا يخلف الوعدَ ميمون نقيبته*** رحب الفناء اريب حين يعتزمُ

عم الرية بالاإِحسان فانقعشت*** عنها الغيابة والاملاق والعدم

من معشرٍ حبهمّ دين وبغضهم*** كفر وقربهم منجى ومعتصم

ان عد اهل التقى كانوا ائمتهم*** او قيل من خير اهل الأرض قيل همُ

يستدفع السوء والبلوى بحبهم*** ويسترب به الاحسان والنعمُ

مقدم بعد ذكر اللّه ذكرهم*** في كل بدء ومختوم به الكلم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم*** ولا يدانيهم قوم وان كرموا

لا يقبض العسر بسطاً من اكفهم*** سيان ذلك ان اثروا وان عدموا

أي الخلائق ليست في رقابهم*** لأولية هذا أو له نعم

من يعرف اللّه يعرف اولوية ذا*** فالدين من بيت هذا ناله الامم

ما قال لا قطُّ الا في تشهده*** لولا التشهد كانت لاؤه نعم


 
ولم اذكر تمامها رعاية للاختصار، فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق فحبس بعسفان بين مكة والمدينة، وبلغ ذلك علي بن الحسين (عليه السلام) فبعث اليه باثني عشر الف درهم (الخبر).

قال الاستاذ الاكبر المحقق البهبهاني (رحمه اللّه) قال جدي وذكر عبد الرحمان الجامي في سلسلة الذهب هذه القصيدة منظومة بالفارسية، وذكر ان كوفية رأت في النوم الفرزدق وقالت له: ما فعل اللّه بك، قال: غفر اللّه لي بقصيدة علي بن الحسين (عليه السلام)، قال الجامي وبالحري ان يغفر اللّه للعالمين بهذه القصيدة، مع اشتهاره بالنصب والعداوة.

فصل في حلم علي بن الحسين وعفوه عليه السلام

روى شيخنا المفيد في الارشاد أنه وقف على عليّ بن الحسين (عليه السلام) رجل من اهل بيته، فاسمعه وشتمه فلم يكلمه فلما انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وانا احب ان تبلغوا معي اليه حتى تسمعوا مني ردي عليه، قال: فقالوا له نفعل، ولقد كنا نحب ان تقول له ويقول، قال فاخذ نعليه ومشى وهو يقول، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، واللّه يحب المحسنين، فعلمنا انه لا يقول له شيئاً، قال فخرج الينا متوثباً للشر وهو لا يشك انه انما جاءه مكافياً له على بعض ما كان منه، فقال له عليّ بن الحسين (عليه السلام) يا اخي انك كنت قد وقفت عليّ آنفاً وقلت وقلت، فان كنت قد قلت ما فيّ فأنا استغفر اللّه منه، وان كنت قلت ما ليس فيّ فغفر اللّه لك، قال: فقبل الرجل بين عينيه وقال بلى بل قلت فيك ما ليسك فيك، وانا احق به، قال الراوي للحديث: والرجل هو الحسن بن الحسن (رضي اللّه عنه)، قلت ويقرب منه ما روى عن مشكاة الانوار لسبط الشيخ الطبرسي عن حماد اللحام، قال: اتى رجل ابا عبد اللّه (عليه السلام) فقال ان فلاناً ابن عمك ذكرك، فما ترك شيئاً من الوقيعة والشتيمة الا قاله فيك، فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) للجارية ايتيني بوضوء فتوضأ ودخل فقلت في نفسي: يدعو عليه، فصلى ركعتين، فقال يا رب هو حقي قد وهبته له وانت اجود مني وأكرم فهبه لي ولا تؤاخذه ولا تقايسه، ثم رق فلم يزل يدعو فجعلت اتعجب.

وقال الشيخ المفيد (رحمه اللّه) وقد روى عنه فقهاء العامة من العلوم ما لا يحصى كثرة، وحفظ عنه من المواعظ والادعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والايام ما هو مشهور بين العلماء، ولو قصدنا الى شرح ذلك لطال به الخطاب وتقضى به الزمان، وقد روت الشيعة له آيات ومعجزات وبراهين واضحات لم يتسع لذكرها هذا المكان. انتهى.

فصل في وفاة الإِمام زين العابدين عليه السلام

توفي (عليه السلام) بالمدينة يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت او مضت من المحرّم سنة (95 هجري) خمس وتسعين من الهجرة، وله يومئذ سبع وخمسون سنة، سمّه هشام بن عبد الملك وكان في ملك الوليد بن عبد الملك.

وقال الشيخان انه توفي (سلام اللّه عليه) في اليوم الخامس والعشرين من المحرّم سنة 94 هجري اربع وتسعين من الهجرة.

اقول سُمّيت سنة وفاته سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها من العلماء والفقهاء.

قال السبط في التذكرة: وكان (عليه السلام) سيد الفقهاء مات في اولها وتتابع الناس بعده سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير وعامة فقهاء المدينة، وقبره بالبقيع في القبة التي فيها العباس وعمه الحسن بن عليّ (عليه السلام).

روى الكليني عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: لما حضر عليّ بن الحسين (عليه السلام) الوفاة ضمّني الى صدره وقال يا بنيّ: اوصيك بما اوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر ان اباه اوصاه به، قال: يا بنيّ اياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً الا اللّه.

وعن ابي الحسن (عليه السلام) قال: ان عليّ بن الحسين لما حضرته الوفاة اغمي عليه ثم فتح عينيه وقرأ، (اذا وقعت الواقعة وانا فتحنا لك)، وقال: الحمد للّه الذي صدقنا وعده واورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين، ثم قبض من ساعته ولم يقل شيئاً.

وروى انه لما مات عليّ بن الحسين (عليه السلام) كانت له ناقة وقد حج عليها اثنتين وعشرين حجة ما قرعها بمقرعة قط فجاءت، فأتت عليّ بن الحسين (عليه السلام) وضربت بجرانها على القبر وتمرغت عليه ورغت وهملت عيناها، فأتى محمد بن علي (عليه السلام) فقيل: ان الناقة قد خرجت الى القبر فضربت بجرانها ورغت وهملت فأتاها، فقال مه الآن قومي، بارك اللّه فيك، فثارت ودخلت موضعها، فلم تلبث ان خرجت حتى اتت القبر فضربت بجرانها ورغت وهملت عيناها، فأتى محمد بن علي (عليه السلام) فقيل له ان الناقة قد خرجت، فأتاها فقال مه الآن قومي فلم تفعل، قال دعوها فانها مودعة فلم تلبث الا ثلاثة حتى نفقت (اي ماتت).

وقال الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي في الدر النظيم: كان سبب وفاة علي بن الحسين (عليه السلام)، ان الوليد بن عبد الملك سمَّه ولما دفن ضربت امرأته على قبره فسطاطاً.

تتميم: روي انه (عليه السلام) كان يقول في دعائه اللهم من انا حتى تغضب علي، فوعزتك ما يزين ملكك احساني ولا يقبحه اسائتي، ولا ينقص من خزائنك غنائي ولا يزيد فيها فقري.

ومن دعائه (عليه السلام) كما في الصحيفة الكاملة التي هي من منشآته (صلوات اللّه عليه)، فاسألك اللهم بالمخزون من اسمائك وبما وارته الحجب من بهائك، الا رحمت هذه النفس الجزوعة وهذه الرِّمة الهلوعة التي لا تستطيع حرَّ سمشك فكيف تستطيع حرَّ نارك، والتي لا تستطيع صوت وعدك فكيف تستطيع غضبك، فارحمني اللهم فاني امرؤ حقير وخطري يسير وليس عذابي مما يزيد في ملكك مثال ذرة، الى آخر الدعاء.

فانظر ايدك اللّه في اخباره، والمح بعين الاعتبار عجائب آثاره، وفكر في زهده وتعبده وخشوعه وتهجده وادعيته وصلاته وصدقاته وملازمة عباداته وتوسلاته وادعيته ومناجاته التي تدل مع فصاحته وبلاغته على خشوعه لربه وضراعته، ووقوفه موقف العصاة مع شدة طاعته، واعترافه بالذنوب مع براءة ساحته، وبكائه ونحيبه وخفوق قلبه من خشية اللّه ووجيبه وانتصابه، وقد ارخى الليل سدوله وجر على الأرض ذيوله، مناجياً ربِّه، ملازماً بابه، ممثلاً نفسه بين يديه، معرضاً عن كل شيء مقبلاً عليه، قد انسلخ من الدنيا الدنيَّة، وتعرَّى من الجثة البشرية، فجسمه ساجد في الثرى، وروحه متعلقة بالملأ الأعلى، يتململ اذا مر بآية من آيات الوعيد حتى كأنه المقصود بها مع انه عنها بعيد. تجد اموراً عجيبة واحوالاً غريبة ونفساً من اللّه سبحانه قريبة، فلنقطع الكلام في هذا المقام ان ينتهي الى آخره، فان العبارة تعجز عن وصف فضله وعدّ مفاخره، (صلوات اللّه عليه) وعلى آبائه وابنائه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن كتاب الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية للشيخ عباس القمي
  • علق من حساب جوجل
  • علق من حساب الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: الامام ابو الحسن عليّ بن الحسين زين العابدين Description: الامام ابو الحسن عليّ بن الحسين زين العابدين Rating: 5 Reviewed By: شبكة الصادق العامة
Scroll to Top