سيرة الامام الحسن عليه السلام
هو الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن نضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن الياس، بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان.
وأمه: فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه واله ، سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
اسمه المبارك: الحسن.وكنيته الشريفة: أبو محمد.ومن ألقابه: المجتبى، والتقي، والزكي، والسيد، والسبط، والولي.
أصحّ ما قيل في ولادة الإمام الحسن عليه السلام : إنه عليه السلام ولد بالمدينة المنورة في النصف من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث من الهجرة النبوية الشريفة.
قال ابن الأثير في أسد الغابة([1]): أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي الأمين... أخبرنا أبو بشر الدولابي، قال: سمعت أبا بكر بن عبد الرحيم الزهري بقول: (ولد الحسن بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه واله في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة).
يقول المحب الطبري في صفة الإمام الحسن عليه السلام:(كان الحسن عليه السلام أبيض مشرباً بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، دقيق المسربة، كث اللحية، ذا وفرة، كأن عنقه إبريق فضة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، من أحسن الناس وجهاً وكان يخضب بالسواد، وكان جعد الشعر حسن البدن). ذكره الدولابي([2]).
البخاري في فتح الباري بسنده عن ابن أبي مليكة قال: (كانت فاطمة u تقول: ابني شبيه بالنبي صلى الله عليه واله ليس شبيهاً بعلي عليه السلام)([3]).
وفي صحيح البخاري قال: (لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه واله من الحسن ابن علي عليه السلام)([4]).
بعض ما ورد في شأنه عليه السلام من الآيات القرآنية
قال تعالى: ]فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين[([5]).
وفي كتاب (نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار): إن آية المباهلة نزلت في فاطمة وعلي والحسن والحسين عليه السلام وقال بسنده: حين أراد رسول الله صلى الله عليه واله مباهلة وفد نجران في آية المباهلة وهي قوله تعالى: ]فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا..[ الآية، أراد بالأبناء: الحسن والحسين، وبالنساء: فاطمة، وبالنفس نفسه صلى الله عليه واله وعلياً عليه السلام، كذا في تفسير الخازن ]ثم نبتهل[ قال ابن عباس نتضرع في الدعاء، وقيل: معناه نجتهد ونبالغ في الدعاء، وقيل: معناه نلتعن، والابتهال والالتعان يقال عليه بهلة الله أي لعنة الله،]فنجعل لعنة الله على الكاذبين[ يعني منا ومنكم في أمر عيسى عليه السلام.
قال المفسرون: لما قرأ رسول الله صلى الله عليه واله هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر أمرنا ثم نأتيك غداً، فلما خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب وكان كبيرهم وصاحب رأيهم: ما ترى يا عبد المسيح؟
قال: لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمداً نبي مرسل ولئن فعلتم ذلك لنهلكن.
وفي رواية قال لهم: والله ما لاعن قوم قط نبياً إلا هلكوا عن آخرهم فإن أبيتم إلا الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتوا رسول الله صلى الله عليه واله وقد احتضن الحسين وأخذ بين الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي يمشي خلفها والنبي صلى الله عليه واله يقول لهم: إذا دعوت فأمنوا.
فلما رآهم أسقف نجران قال: يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فقالوا: يا أبا القاسم لقد رأينا أن لا نباهلك وأن نتركك على دينك وتتركنا على ديننا.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه واله : فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فأبوا ذلك.
فقال صلى الله عليه واله : فإني أنابذكم.
فقالوا: ما لنا في حرب العرب طاقة، ولكنا نصالحك على أن لا تغزونا ولاتخيفنا ولا تردنا عن ديننا وأن نؤدي إليك في كل سنة ألفي حلة في صفر وألف في رجب، وزاد في رواية ثلاثة وثلاثين درعاً عادية، وثلاثة وثلاثين بعيراً، وأربعاً وثلاثين فرساً غازية.
فصالحهم رسول الله صلى الله عليه واله على ذلك، وقال: والذي نفسي بيده إن العذاب تدلّى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولأضطرم عليهم الوادي ناراً ولأستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا. عن تفسير الخازن وغيره([6]).
قال تعالى: ]إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً[([7]).
أجمع عامة أهل التفسير والحديث والتاريخ على أن المقصود بـ (أهل البيت) هم الخمسة الطيبة: (محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين).
روى البلاذري قال: حدّثني أبو صالح الفراء (بالإسناد المذكور في كتابه) عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه واله كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر ـ هو منطلق إلى صلاة الصبح ـ فيقول: الصلاة أهل البيت، ]إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً[([8]).
مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام للحافظ ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس: سأل النبي صلى الله عليه واله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربّه فتاب عليه؟ وذلك في قوله تعالى :]فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم[([9])، فقال صلى الله عليه واله : (سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا ما تبت عليّ، فتاب عليه)([10]).
وفي ينابيع المودة: في تفسير قوله تعالى: ]ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين[ أخرج أحمد بن حنبل في مسنده وابن المغازلي في المناقب بسنديهما عن الحسن بن علي عليه السلام قال: (فينا نزلت هذه الآية)([11]).
ينابيع المودة: في تفسير قوله تعالى: ]ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً[([12])، روى الحافظ جلال الدين الزرندي عن الحسن بن علي عليه السلام قال في خطبته: (اقتراف الحسنة مودتنا)([13]).
الشبلنجي الشافعي في كتابه نور الأبصار([14]) عن الإمام أبو الحسن البغوي في تفسيره يرفعه بسنده إلى ابن عباس قال: (لما نزلت هذه الآية: ]قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى[ ([15]) قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم، قال: علي وفاطمة وابناهما ).
ابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام الحسن عليه السلام تحت الرقم 128: بسنده عن هارون بن سعد: عن عطية: عن أبي سعد قال: (سألته من أهل البيت؟ فقال: النبي صلى الله عليه واله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين)([16]).
ومسلم في صحيحه([17]): بسنده عن نافع بن جبير، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال للحسن عليه السلام: (اللهم أحبه فأحبّه وأحبب من يحبه).
المحب الطبري في ذخائر العقبى([18]) قال: وعن عبد الله قال: (كان رسول الله صلى الله عليه واله يصلّي حتى إذا سجد وثب الحسن والحسين عليه السلام على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما قال: دعوهما، فلمّا أن صلى وضعهما في حجره وقال: من أحبني فليحب هذين)، قال: خرجه الحافظ الدمشقي.
الهيثمي في مجمعه([19]) قال: وعن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله : (الحسن والحسين من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أبغضته ومن أبغضته، أبغضه الله ومن أبغضه الله أدخله جهنم وله عذاب مقيم). قال: رواه الطبراني.
أحمد بن حنبل في مسنده: عن رسول الله صلى الله عليه واله : (من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني)([20]).
محب الدين الطبري: عن علي عليه السلام: (ان رسول الله صلى الله عليه واله أخذ بيد حسن وحسين وقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة).
ابن عساكر في تاريخه تحت الرقم 98 ـ بسنده عن ابن أبي مليكة، عن عائشة (إن النبي صلى الله عليه واله كان يأخذ حسناً فيضمه إليه ثم يقول: اللهم إن هذا ابني وأنا أحبه فأحببه وأحب من يحبه)([21]).
حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، حدثنا علي بن عابس: عن سالم بن أبي حفصة وكثير النواء، عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: (مر الحسن والحسين على رسول الله صلى الله عليه واله فقال: اللهم إني أحبهما فأحبهما وأبغض من أبغضهما).
إسعاف الراغبين: وروى أحمد والترمذي عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله : (من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي في الجنة)([22]).
ابن عساكر في تاريخ دمشق، ترجمة الإمام الحسن عليه السلام تحت الرقم: 106 بسنده عن زر بن حبيش عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله للحسن والحسين: (هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني)([23]).
البيهقي في سننه([24]): بسنده عن زر بن حبيش قال: (كان رسول الله صلى الله عليه واله ذات يوم يصلّي بالناس فأقبل الحسن والحسين عليه السلام وهما غلامان فجعلا يتوثبان على ظهره إذا سجد، فأقبل الناس عليهما ينحونهما عن ذلك، قال: دعوهما بأبي وأمي، من أحبني فليحب هذين).
أحمد بن حنبل في مسنده([25]): بسنده عن عطاء، أن رجلاً أخبره (أنه رأى النبي صلى الله عليه واله يضم إليه حسناً وحسيناً ويقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما).
الحاكم في المستدرك على الصحيحين: روى بسنده عن فاطمة سلام الله عليها (إن رسول الله صلى الله عليه واله أتاها يوماً فقال: أين ابناي؟ فقالت: ذهب بهما عليعليه السلام، فتوجه رسول الله صلى الله عليه واله فوجدهما يلعبان في مشربة([26]) وبين أيديهما فضل تمر، فقال: يا علي ألا تقلب([27]) ابنيّ قبل الحر)([28]).
ذخائر العقبى: عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله : (كل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم) خرجه أحمد في المناقب([29]).
من وصاياه واقواله الشريفة
تعلموا العلم فإن لم تستطيعوا حفظه فاكتبوه وضعوا في بيوتكم.
تعلموا فإنكم صغار قوم اليوم وتكونوا كبارهم غدا.
علم الناس علمك وتعلم علم غيرك فتكون قد أنفقت علمك وعلمت ما لم تعلم.
حسن السؤال نصف العلم.
إن الناس أربعة: فمنهم من لاخلاق(أي النصيب الوافر من الخير في الحياة) وليس له خلق، ومنهم من له خلاق وليس له خلق، ومنهم من ليس له خلق وله خلاق فذاك أشر الناس، ومنهم من له خلق وخلاق فذلك أفضل الناس.
يا ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فجد بما في يديك فإن المؤمن يتزود والكافر يتمتع.
من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه.
عجبت لمن يفكر في مأكولة كيف لا يفكر في معقوله.
غسل اليدين قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي الهم.
من عبد الله عبد الله له كل شيء.
عليكم بالفكر فإنه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة.
صاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك به.
خير الغنى القنوع وشر الفقر الخضوع..
كرم الامام الحسن (عليه السلام )
تعتبر صفة الكرم و السخاء من أبرز الصفات التي تميَّز بها الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فكان المال عنده غاية يسعى من خلالها إلى كسوة عريان ، أو إغاثة ملهوف ، أو وفاء دين غريم ، أو إشباع جوع جائع ، وإلخ .
هذا وعرف الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) بكريم أهل البيت ، فهو الذي قاسم الله أمواله ثلاث مرّات ، نصف يدفعه في سبيل الله و نصف يبقيه له ، بل وصل إلى أبعد من ذلك ، فقد أخرج ماله كلّه مرتين في سبيل الله ولا يبقي لنفسه شيء ، فهو كجدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعطي عطاء من لا يخاف الفقر ، وهو سليل الأسرة التي قال فيها ربّنا و تعالى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
وآية أخرى تحكي لسان حالهم :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وأسيرا إنما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا ) ،.
فهذا هو الأصل الكريم لإمامنا الحسن ( عليه السلام ) الزكي من الشجرة الطيّبة التي تؤتي أُكلها كل حين ، فمن كريم طبعه ( عليه السلام ) أنّه لا ينتظر السائل حتّى يسأله ، و يرى ذل المسألة في وجهه ، بل يبادر إليه قبل المسألة فيعطيه .
و الشواهد لهذه الصفة المتميِّزة عند الإمام ( عليه السلام ) :
1ـ روي أنَّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) خرج مع أخيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) و عبد الله بن جعفر ( رضوان الله عليه ) حُجَّاجاً ، فَجَاعوا وعطشوا في الطريق ، فمرّوا بعجوز في خباء لها ، فقالوا : ( هَلْ مِن شراب ) ؟
فقالت : نعم هذه شَاة احلبوها ، واشربوا لبنها ، ففعلوا ذلك ، ثمّ قالوا لها : ( هلْ مِن طَعَام ) ؟ فقالت : لا ، إلاّ هذه الشاة ، فليذبحها أحدكم حتَّى أُهيئ لكم شيئاً تأكلون .
فقام إليها أحدهم فذبَحَها وكشطها ، ثمّ هَيَّأت لهم طعاماً فأكلوا ، فلمّا ارتحلوا قالوا لها : ( نحن نَفَرٌ من قريش ، نريد هذا الوجه ، فإذَا رَجعنا سالمين فأَلِمِّي بنا فإنَّا صانعون إليكِ خيراً ) ، ثمّ ارتحلوا .
وأقبل زوجُها ، وأخبَرَتْه عن القوم والشاة ، فغضب الرجل و قال : وَيْحكِ ، تذبحين شاتي لأقوام لا تعرفينهم ، ثمّ تقولين : نَفَرٌ من قريش .
ثمّ بعد مدَّة أَلجَأَتْهُم الحاجة إلى دخول المدينة فدخلاها ، فمرَّت العجوز في بعض سِكَك المدينة ، فإذا بالحسن ( عليه السلام ) على باب داره ، فَسَلَّمَت عليه ، فعرفها الإمام ( عليه السلام ) ، وأمر أن يُشتَرَى لها ألف شاة ، وتُعطَى ألف دينار .
و أرسل معها غلامه إلى أخيه الحسين ( عليه السلام ) ، فقال : ( بِكَمْ وصلك أخي الحسن ) ؟ فقالت : بألف شاة وألف دينار ، فأمر ( عليه السلام ) لها بمثل ذلك .
ثمّ بعثَ ( عليه السلام ) بها مع غلامه إلى عبد الله بن جعفر ، فقال : بكم وَصَلك الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ؟ فقالت : بألفي دينار وألفي شاة ، فأمر لها عبد الله بن جعفر بمثل ذلك ، فَرجِعَت العجوز إلى زوجها بذلك .
2ـ روي أنَّ رجلاً جاء إلى الإمام الحسن ( عليه السلام ) و سأله حاجة ، فقال ( عليه السلام ) له : ( يا هذا ، حَقّ سؤالك إيّاي يعظم لديَّ ، ومعرفتي بما يجب تكبر عليَّ ، ويدي تعجز عن نَيلك بما أنت أهله ، والكثير في ذات الله عزَّ وجلَّ قليل ، وما في ملكي وفاء بشكرك ، فإن قبلت منّي الميسور ، ورفعت عنِّي مؤونة الاحتيال والاهتمام ، لما أتكلَّفه من واجبك فعلت ) .
فقال : يا بن رسول الله ، أقبل القليل ، وأشكر العطية ، وأعذر على المنع ، فدعا الإمام ( عليه السلام ) بوكيله ، وجعل يحاسبه على نفقاته حتّى استقصاها ، فقال ( عليه السلام ) : ( هات الفاضل من الثلاثمِائة ألف درهم ) .
فأحضر خمسين ألفاً ، فقال ( عليه السلام ) : ( فما فُعِل بالخمسمِائة دينار ) ؟ قال : هي عندي ، فقال ( عليه السلام ) : ( أحضِرها ) ، فأحضرها ، فدفع ( عليه السلام ) الدراهم والدنانير إلى الرجل ، وقال : ( هَات من يَحملها ) .
فأتاهُ بِحمَّالين ، فدفع الإمام الحسن ( عليه السلام ) إليهم رداءه كأجور الحمل ، فقال له مواليه : والله ما عندنا درهم ، فقال ( عليه السلام ) : ( لِكَي أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم ) .
3ـ روي أنّه ( عليه السلام ) اشترى بستاناً من قوم من الأنصار بأربعمِائة ألف ، فبلغه أنّهم احتاجوا ما في أيدي الناس ، فردَّه إليهم .
4ـ روي أنّه ( عليه السلام ) سمع رجلاً يسأل رَبَّه أن يرزقه عشرة آلاف درهم ، فانصرف الإمام الحسن ( عليه السلام ) إلى منزله ، وبَعَثَ بها إليه .
5ـ روي أنّه قيل ذات مرّة للإمام ( عليه السلام ) : لأيِّ شيء لا نراك تردُّ سائلاً ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( إنِّي للهِ سائل ، وفيه راغب ، وأنا أستحي أن أكون سائلاً ، وأَرُدُّ سائلاً ، وإنَّ الله عَوَّدني عادة ، أن يفيض نعمه عليّ ، وعَوَّدتُه أن أفيض نِعَمه على الناس ، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة ) .
6ـ روي أنّه جاء أعرابي يوماً سائلاً الإمام ( عليه السلام ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( أعطُوه ما في الخَزَانة ) ، فَوُجِد فيها عشرون ألف دينار ، فدفعها ( عليه السلام ) إلى الأعرابي ، فقال الأعرابي : يا مولاي ، ألا تركتني أبوحُ بحاجتي ، وأنشر مِدحَتي .
فأنشأ الإمام ( عليه السلام ) يقول :
نَحنُ أُناسٌ نَوالُنا خضـل
يرتع فيه الرجـاء والأمــل
تَجودُ قبل السؤال أنفسـنا
خوفاً على ماء وجه مَن يَسَلُ
لو علم البحرُ فَضلَ نائلنا
لغاصَ مِن بعد فيضِـهِ خَجَلُ
7ـ روي في ( شرح نهج البلاغة ) : أنّ الحسن ( عليه السلام ) أعطى شاعراً ، فقال له رجل من جُلَسَائه : سبحان الله ، أتُعطِي شاعراً يعصي الرحمن ، ويقول البهتان ؟!
فقال ( عليه السلام ) : ( يا عبد الله ، إنَّ خير ما بذلتَ من مالك ما وقيت به عرضك ، وإن من ابتِغاء الخير اتِّقاء الشر ) .
8ـ أتاه رَجُل يَطلب حاجَة وهو يَستَحيي مِن الحاضرين أن يفصح عنها ، فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( اكتب حاجتك في رقعة وارفعها إلينا ) ، فكتب الرجل حاجته ورفعها ، فضاعفها له الإمام مرّتين ، وأعطاه في تواضع كبير .
فقال له بعض الشاهدين ما كان أعظم بركة الرقعة عليه ، يا بن رسول الله ! فقال ( عليه السلام ) : ( بركتها إلينا أعظم حين جعلنا للمعروف أهلاً ، أما علمت : إنّ المعروف ما كان ابتداءً من غير مسألة ، فأمَّا مَن أعطيته بعد مسألة فإنّما أعطيته بما بذل لك من وجهه .
وعسى أن يكون بات ليلته متململاً أرقاً ، يميل بين اليأس والرجاء ليعلم بما يرجع من حاجته أبكآبة ردّ ، أم بسرور النجح ، فيأتيك وفرائصه ترعد ، وقلبه خائف يخفق ، فإن قضيت له حاجته فيما بذل من وجهه ، فإنّ ذلك أعظم ممّا ناله من معروفك ) .
9ـ تنازع رجلان ، أحدهما أموي يقول : قومي أسمح ، والآخر هاشمي يقول : بل قومي أسمح ، فقال أحدهما : فاسألْ أنت عشرة من قومك ، وأنا أسأل عشرة من قومي ، يريد أن يسأل كلٌّ عطاء عشرة من قومه ، فينظروا أيّ القومين أسخى وأسمح يداً ، ثمّ إذا عرفوا ذلك أرجع كلّ منهما الأموال إلى أهلها ، كلّ ذلك شريطة أن لا يخبرا من يسألاه بالأمر .
فانطلق صاحب بني أمية فسأل عشرة من قومه فأعطاه كلّ واحد منهم ألف درهم ، وانطلق صاحب بني هاشم إلى الإمام الحسن ( عليه السلام ) فأمر له بمائة وخمسين ألف درهم ، ثمّ أتى إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) فقال : ( هل بدأت بأحد قبلي ) ؟ قال : بدأت بالحسن ، قال : ( ما كنت أستطيع أن أزيد على سيّدي شيئاً ) ، فأعطاه مائة وخمسين ألفاً من الدراهم .
فجاء صاحب بني أمية يحمل عشرة آلاف درهم من عشرة أنفس ، وجاء صاحب بني هاشم يحمل ثلاثمائة ألف درهم من نفسَين ، فغضب صاحب بني أمية ، حيث رأى فشله في مبادراته القبلية ، فردّ الأوّل حسب الشرط ما كان قد أخذه من بني أمية فقبلوه فَرحِين ، وجاء صاحب بني هاشم إلى الإمام الحسن والحسين ( عليهما السلام ) يردّ عليهما أموالهما فأبيا أن يقبلاهما قائلين : ( ما نبالي أخذتها أم ألقيتها في الطريق ) .
شهادة الإمام الحسن ( ع ) ودفنه
دَعَت السياسة الرشيدة للإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ومكانته المُتَنَامية في الأمّة ، معاوية إلى أن يشك في قدرته على مناوأته ، واستئثاره بقيادة الأمّة .
حيث إنه ما خطى خطوة تُالف قِيَمَ الحق ، أو مصالح الأمّة ، إلا وعارضه الإمام ( عليه السلام ) واتَّبعته الأمّة في ذلك . ففشلت مساعي معاوية وخابت آماله ، فدبَّر حيلة كانت ناجحة إلى أبعد الحدود ، تلك هي الفتك بحياة الإمام ( عليه السلام ) عن طريق السُّم . فبعث معاوية إلى عاهل الروم يطلب منه سمّاً فتَّاكاً ، فقال ملك الروم : إنه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا . فراسله معاوية يقول : إن هذا الرجل هو ابن الذي خرج بأرض تهامة - يعني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - خرج يطلب ملك أبيك ، وأنا أُريد أن أدس إليه السمَّ ، فأُرِيح منه العباد والبلاد .
بَعَث ملك الروم إلى معاوية بالسمِّ الفتاك ، فَدَسَّه إلى الإمام ( عليه السلام ) عن طريق جعدة ، الزوجة الخائنة التي كانت تنتمي إلى أسرة فاجرة .
حيث اشترك أبوها في قتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأخوها في قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) فيما بعد .
وفي ذلك النهار حيث كان قد مضى أربعون يوماً أو ستون على سقيه السُّم ، أتمَّ ( عليه السلام) وصاياه التي أوصى بها إلى أخيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ،وعلم باقتراب أجله .
فكان ( عليه السلام ) يبتهل إلى الله تعالى قائلاً :( اللَّهُمَّ إني أحتسب عندك نفسي ، فإنها أعزُّ الأنفس عليَّ ، لم أُصَب بمثلها ، اللَّهُمَّ آنِسْ صرعتي ، وآنس في القبر وحدتي ، ولقد حاقت شربته - أي معاوية - ، والله ما وفيَ بما وعد ، ولا صَدَق فيما قال ).
وكان ( عليه السلام ) حين التحق بالرفيق الأعلى ، يتلو آياتٍ من الذكر الحيكم .
وكانت شهادته ( عليه السلام ) في السابع من صفر 50 هـ ،
دفنه ( عليه السلام ) :
وقامت المدينة المنورة لِتُشيِّع جثمان ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي لم يزل ساهراً على مصالحهم قائماً بها أبداً .
وجاء موكب التشييع يحمل جثمانه الطاهر إلى الحرم النبوي ، ليدفنوه عند الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، و ليجدِّدوا العهد معه ، على ما كان قد وصَّى به الإمام ( عليه السلام ) .
فلم يدفن الامام الحسن (عليه السلام )عند قبر جده المصطفى (صلى الله عليه واله )
ولولا وصية من الإمام الحسن ( عليه السلام ) إلى أخيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) أَلاَّ يُراق في تشييعه ملء محجمةِ دمٍ ، لَمَا ترك بنو هاشم لبني أمية في ذلك اليوم كِيَاناً .
ولولا أن الإمام الحسين ( عليه السلام ) نادى فيهم :( الله الله يا بني هاشم ، لا تضيِّعوا وصية أخي ، واعدلوا به إلى البقيع ، فإنه أقسم عليَّ إن أنا مُنعت من دفنه عند جدِّه إذاً لا أُخاصم فيه أحداً ، وأن أدفنه في البقيع مع أُمِّه ).
هذا وقبل أن يعدلوا بالجثمان ، كانت سهام بني أمية قد تواترت على جثمان الإمام ( عليه السلام ) ، وأخذت سبعين سهماً مأخذها منه .
فراحوا إلى مقبرة البقيع ، وقد اكتظَّت بالناس ، فدفنوه فيها ، حيث الآن يُزار مرقده الشريف ( عليه السلام ) .
وهكذا عاش السبط الأكبر لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نقيّاً ، طاهراً ، مَقهوراً ، مُهتَضَماً ، ومضى شهيداً ، مظلوماً ، مُحتَسِباً .
فَسَلام الله عليه ما بقي اللَّيل والنهار .
زيارته عليه السلام
(السلام عليك يابن رسول ربّ العالمين، السلام عليك يابن أمير المؤمنين، السلام عليك يابن فاطمة الزهراء، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا صراط الله، السلام عليك يا بيان حكم الله، السلام عليك يا ناصر دين الله، السلام عليك أيها السيد الزكي، السلام عليك أيها البرّ الوفي، السلام عليك أيها القائم الأمين، السلام عليك أيها العالم بالتأويل، السلام عليك أيها الهادي المهدي، السلام عليك أيها الطاهر الزكي، السلام عليك أيها التقي النقي، السلام عليك أيها الحق الحقيق، السلام عليك أيها الشهيد الصديق، السلام عليك يا أبا محمد الحسن بن علي ورحمة الله وبركاته)
0 التعليقات:
إرسال تعليق